فصل: (المسألة الثالثة): المذكور في كتبهم غالبا نعته وهو أبلغ من الاسم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.(المسألة الثالثة): المذكور في كتبهم غالبا نعته وهو أبلغ من الاسم:

(قال السائل) مشهور عندكم في الكتاب والسنة أن نبيكم كان مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل لكنهم محوه عنهما لسبب الرياسة والمأكلة، والعقل يستشكل ذلك، أفكلهم اتفقوا على محو اسمه من الكتب المنزلة من ربهم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا؟! هذا أمر يستشكله العقل أعظم من نفيهم بألسنتهم لأنه يمكن الرجوع عما قالوا بألسنتهم والرجوع عما محوا أبعد. والجواب أن هذا السؤال مبني على فهم فاسد، وهو أن المسلمين يعتقدون أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم الصريح وهو محمد بالعربية مذكور في التوراة والإنجيل وهما اسم النبي صلى الله عليه وسلم الصريح وهو محمد بالعربية التوراة والإنجيل وهما الكتابان المتضمنان لشريعتين وإن المسلمين يعتقدون أن اليهود والنصارى في جميع أقطار الأرض محوا ذلك الاسم وأسقطوه جملة من الكتابين وتواصوا بذلك بعدا وقربا وشرقا وغربا، وهذا لم يقله عالم من علماء المسلمين، ولا أخبر الله سبحانه به في كتابه عنهم، ولا رسوله ولا بكتهم به يوما من الدهر، ولا قاله أحد من الصحابة ولا الأئمة بعدهم، ولا علماء التفسير، ولا المعتنون بأخبار الأمم وتواريخهم، وإن قدر أنه قاله بعض عوام المسلمين يقصد به نصر الرسول فقد قيل: يضر الصديق الجاهل أكثر مما يضر العدو العاقل، وإنما أتي هؤلاء من قلة فهم القرآن، وظنوا أن قوله تعالى: {الَّذَينَ يَتَبِعونَ الرَسولَ النَبيّ الأُمي الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوباً عِندَهُم في التَوراةِ وَالإنجيل يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَر} دل الاسم الخاص بالعربية في التوراة والإنجيل المخصوصين وإن ذلك لم يوجد البتة، فهذه ثلاث مقامات:
أما المقام الأول:
فالرب سبحانه إنما أخبر عن كون رسوله مكتوبا عندهم أي الأخبار عنه وصفته ومخرجه ونعته، ولم يخبر بأن صريح اسمه العربي مذكور عندهم في التوراة والإنجيل، وهذا واقع في الكتابين كما سنذكر ألفاظهما إن شاء الله، وهذا أبلغ من ذكره بمجرد اسمه، فإن الاشتراك قد يقع في الاسم فلا يحصل التعريف والتمييز، ولا يشاء أحد يسمى بهذا الاسم أن يدعي إنه هو إلا فعل؛ إذ الحوالة إنما وقعت على مجرد الاسم، وهذا لا يحصل به بيان ولا تعريف ولا هدى؛ بخلاف ذكره بنعته وصفته وعلاماته ودعوته وصفة أمته ووقت مخرجه ونحو ذلك فإن هذا يعينه ويميزه ويحصر نوعه في شخصه، وهذا القدر مذكور في التوراة والإنجيل وغيرهما من النبوات التي بأيدي أهل الكتاب كما سنذكرها، ويدل عليه وجوه:
(الوجه الأول) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على تصديقه واتباعه وإقامة الحجة على من خالفه وجحد نبوته، ولا سيما أهل العلم والكتاب، فإن الاستدلال عليهم بما يعلمون بطلانه قطعا لا يفعله عاقل، وهو بمنزلة من يقول لرجل علامة صدقي إنك فلان ابن فلان وصنعتك كيت وكيت وتعرف بكيت وكيت ولم يكن الأمر كذلك بل بضده، فهذا لا يصدر ممن له مسكة عقل، ولا يصدقه أحد على ذلك، ولا يتبعه أحد على ذلك، بل ينفر العقلاء كلهم عن تصديقه واتباعه، والعادة تحيل سكوتهم عن الطعن عليه والرد والتهجين لقوله، ومن المعلوم بالضرورة أن محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه نادى معلنا في هاتين الأمتين اللتين هما أعلم الأمم في الأرض قبل مبعثه بأن ذكره ونعته وصفته بعينه عندهم في كتبهم، وهو يتلو ذلك عليهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا في كل مجمع وفي كل ناد يدعوهم بذلك إلى تصديقه والإيمان به فمنهم من يصدق ويؤمن به، ويخبر بما في كتبهم من نعته وصفته وذكره كما سيمر بك إن شاء الله، وغاية المكذب الجاحد أن يقول هذا النعت والوصف حق ولكن لست أنت المراد به بل نبي آخر، وهذا غاية ما يمكنه من المكابرة، ولم تجد عليه هذه المكابرة إلا كشفه عورته وإبدائه الفضيحة، بالكذب والبهتان، فالصفات والنعوت والعلامات المذكورة عندهم منطبقة عليه حذو القذة بالقذة بحيث لا يشك من عرفها ورآه أنه هو كما عرفه قيصر وسلمان بتلك العلامات المذكورات التي كانت عنده من بعض علمائه وكذلك هرقل عرف نبوته بما وصف له من العلامات التي سأل عنها أبا سفيان فطابقت ما عنده، فقال: إن يكن ما تقول حقا فإنه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين، وكذلك بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم قال تعالى: {الَّذَينَ آَتيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم وإِنّ فَريقاً مِنهُم لَيكتُمونَ الحَقَ وَهُم يَعلمون} وقال في موضع آخر {الَّذينَ آَتيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفون أَبناءَهُم الَّذَينَ خَسِروا أَنفُسَهُم فَهُم لا يُؤمِنونَ} ومعلوم أن هذه المعرفة إنما هي بالنعت والصفة المكتوبة عندهم التي هي منطبقة عليه، كما قال بعض المؤمنين منهم: والله لأحدنا أعرف به من ابنه، إن أحدنا ليخرج من عند امرأته وما يدري ما يحدث بعده. ولهذا أثنى الله سبحانه على من عرف الحق منهم ولم يستكبر عن اتباعه فقال: {لَتَجِدَنّ أَشَدَ الناسِ عَداوَةً لِلذَينَ آَمَنوا اليَهودُ وَالَّذَينَ أشرَكوا وَلَتَجِدَنَ أَقرَبَهُم مَودَةً لِلِذَينَ آَمَنوا الَّذينَ قالوا إِنا نَصارَى ذلِكَ بِأَنّ مِنهُم قِسيسينَ وَرُهباناً وَأَنّهُم لا يَستَكبِرونَ وَإِذا سَمِعوا ما أَنزَلَ اللَهُ إِلى الرَسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَمعِ مِما عَرفوا مِنَ الحَق يَقولونَ رَبَنا آَمَنا فاكتُبنا مَعَ الشاهدِينَ وَما لَنا لا نُؤمِن بالله وَما جاءَنا مِنَ الحَق وَنطمَعُ أَن يُدخٍلَنا رَبُنا مَعَ القَومِ الصالحين فأَثابَهُمُ اللَهُ بِما قالوا جَناتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهار خالِدينَ فيها وَذَلِكَ جَزاءُ المُحسِنينَ وَالَّذَينً كَفًروا وَكَذبوا بآياتِنا أُولئِكَ أَصحابُ الجَحَيم} قال ابن عباس لما حضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي النجاشي وقرؤوا القرآن سمع ذلك القسيسون والرهبان فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق، فقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنّ مِنهُم قِسيسينَ وَرُهباناً وَأنَهُم لا يَستَكبِرونَ} الآيات. وقال سعيد بن جبير بعث النجاشي من خيار أصحابه ثمانين رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن فبكوا ورقوا، وقالوا نعرف والله، فأسلموا وذهبوا إلى النجاشي فاخبروه فأسلم، فأنزل الله فيهم {وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلى الرَسول} الآيات، وقال السدي كانوا اثني عشر رجلا سبعة من القسيسين وخمسة من الرهبان فلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بكوا وقالوا {رَبَنا آَمَنا بِما أَنزَلتَ وَاتَبَعنا الرَسولَ فاكتُبنا مَعَ الشاهِدينَ} قال ابن عباس هم محمد وأمته، وهم القوم الصالحون الذين طمعوا أن يدخلهم الله فيهم.
والمقصود أن هؤلاء الذين عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان، ونظير هذا قوله سبحانه: {قُل آَمِنوا بِهِِ أَو لا تُؤمِنوا إِنّ الَّذَينَ أُوتوا العِلمَ مِن قَبلِهِ إِذا يُتلى عَلَيهِم يَخرِونَ لِلأَذقانِ سُجَداً وَيَقولونَ سُبحانَ رَبِنا إِن كانَ وَعدُ رَبِنا لَمَفعولا وَيَخِرونَ لِلأذقانِ يَبكونَ وَيَزيدُهُم خُشوعاً}.
قال إمام التفسير مجاهد: هم قوم من أهل الكتاب لما سمعوا القرآن خروا سجدا وقالوا {سُبحانَ رَبِنا إِن كانَ وَعدُ رَبِنا لَمَفعولاً}.
كان الله عز وجل وعد على ألسنة أنبيائه ورسله أن يبعث في آخر الزمان نبيا عظيم الشأن يظهر دينه على الدين كله، وتنتشر دعوته في أقطار الأرض، وعلى رأس أمته تقوم الساعة، وأهل الكتابين مجمعون على أن الله وعدهم بهذا النبي، فالسعداء منهم عرفوا الحق فآمنوا به واتبعوه، والأشقياء قالوا نحن ننتظره ولم يبعث بعد رسولا، فالسعداء لما سمعوا القرآن من الرسول عرفوا أنه النبي الموعود به فخروا سجدا لله إيمانا به وبرسوله وتصديقا بوعده الذي أنجزه فرأوه عيانا فقالوا: {سُبحانَ رَبِنا إِن كانَ وَعدُ رَبِنا لَمَفعولا}.
وذكر يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جده قال يونس وكان نصرانيا فأسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران: «بسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران سلم أنتم، إني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب من الله والسلام» فلما أتي الأسقف الكتاب فقرأه فظع به وزعره ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل عماني قال له شرحبيل بن وداعة وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إلى معضلة قبله فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه، فقال الأسقف ما رأيك يا أبا مريم؟ فقال شرحبيل قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما نأمن من أن يكون هذا هو ذاك الرجل، ليس لي في النبوة رأي، لو كان أمرًا من الدنيا أشرت عليك فيه برأي وجهدت لك. فقال الأسقف تنح فاجلس، فتنحي فجلس ناحية، فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه، فقال له مثل قول شرحبيل، فأمره الأسقف فتنحى، ثم بعث إلى رجل من أهل نحران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي، فقال له مثل قو شرحبيل وعبد الله، فأمره الأسقف فتنحى ناحية، فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ورفعت المسوح بالصوامع وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار، وإذا كان فزعهم ليلا ضرب بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع، فاجتمع أهل الوادي أعلاه وأسفله وطوله مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاثة وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه، فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام، وتصدوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب، فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم كانا يبعثان العير إلى نجران في الجاهلية فيشتري لهما من برهما وتمرها فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس، فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن أن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه، فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا، فتصدينا لكلامه نهارا طويلا فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما أنعود، أم نرجع إليه؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال: علي لعثمان وعبد الرحمن أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه، ففعل وفد نجران ذلك ووضعوا حللهم وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فرد عليهم سلامهم، ثم قال: «والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم» ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسالة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى فأنا نحب أن نعلم ما تقول فيه، فأنزل الله عز وجل {إِنّ مَثَلَ عَيسى عِندَ اللَهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُن فَيكون الحَقُ مِن رَبكِ فَلا تَكُن مِنَ المُمتَرينَ فَمَن حاجَك فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالوا نَدعُ أَبنائَنا وَأَبناءَكُم ونِساءَنا وِنِساءَكُم وَأَنفُسَنا وَأَنفُسَكُم ثُمّ نَبتَهِل فَنَجَعَل لَعنَةَ اللَهِ عَلى الكاذِبينَ} فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره إلى الملاعنة وله يومئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار بن فيض لقد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي، وإني والله أرى أمرا مقبلا، والله لئن كان هذا الرجل ملكا مبعوثا فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور قومه حتى يصيبنا بجائحة، وإنا لأدنى العرب منهم جوارا، ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك، فقال له صاحباه فما الرأي يا أبا مريم؟ فقد وضعتك الأمور على ذراع فهات رأيك فقال رأيي أن أحكمه، فإني أرى الرجل لا يحكم شططا أبدا، فقالا له أنت وذاك، فلقي شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك، فقال «وما هو» قال شرحبيل حكمتك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعل وراءك أحدا يثرب عليك» قال له شرحبيل سل صاحبيّ فسألهما فقالا ما نرد الموارد ولا نصدر المصادر إلا عن رأى شرحبيل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم، حتى إذا كان الغد أتوه فكتب لهم كتاب صلح وموادعة، فقبضوا كتابهم وانصرفوا إلى نجران، فتلقاهم الأسقف ووجوه جران على مسيرة ليلة من نجران، ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له أبو علقمة، فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف، فيبنا هو يقرؤه وأبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت بأبي علقمة ناقته فتعس غير أنه لا يكنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الأسقف عند ذلك قد والله تعست نبيا مرسلا فقال له أبو علقمة لا جرم والله لا أحل عنها عقدا حتى آتيه، فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه، فقال له افهم عني، إنما قلت هذا مخافة أن يبلغ عني العرب أنا أخذنا حمقة أو نخعنا لهذا الرجل بما لم تنخع به العرب ونحن أعزهم وأجمعهم جارا، فقال له أبو علقمة والله لا أقيلك ما خرج من رأسك أبدا، ثم ضرب ناقته يقول:
إليكَ تعدوا قَلِقاً وَضَينَها ** مُعتَرِضاً في بَطنِها جَنَينَها

مُخالِفاً دينَ النَصارَى دينَها

حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه حتى استشهد بعد ذلك.